كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مستجد قانوني-اقتصادي رأى النور في المغرب، وهو « نظام المقاول الذاتي »، حيث أن مجموعة من المصالح والمؤسسات العمومية ذات الاهتمام المهني والاقتصادي والشبابي تتسارع في عقد لقاءات وتنظيم ورشات تروم شرح وتوضيح مضامين وامتيازات هذه المبادرة، التي تعتبر حسب الفاعلين طفرة نوعية وشجاعة في الحياة الاقتصادية الوطنية، طال انتظارها، خصوصاً في صفوف الشباب.
صحيح أن هذه المبادرة قبل أن ترى النور بشكل رسمي اكتنفها نقاش مطوّل بين مختلف الفرقاء والمتدخّلين من قطاعات حكومية ومهنيين ومجتمع مدني ومختلف المهتمّين من مكوّنات المجتمع المغربي، بخصوص مقاربة وآليات تنزيلها. إلا أنها رأت الوجود بشكل رسمي منذ المصادقة على القانون رقم 114.13 بتاريخ 12 مارس من سنة 2015. والذي عرّف في أولى موادّه المقاول الذاتي بما يلي:
» يقصد بالمقاول الذاتي في مدلول هذا القانون كل شخص ذاتي يزاول بصفة فردية نشاطا صناعيا أو تجاريا أو حرفيا أو يقدم خدمات، ولا يتجاوز رقم الأعمال السنوي المحصل عليه 500 ألف درهم، إذا كان النشاط الذي يمارسه يندرج ضمن الأنشطة الصناعية أو التجارية أو الحرفية، و200 ألف درهم، إذا كان نشاطه يندرج في إطار تقديم خدمات « .
وقد تبنّت هاته المبادرة، الوزارة المنتدبة لدى وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، المكلّفة بالمقاولات الصغرى وإدماج القطاع غير المهيكل بجديّة، تحت إشراف مسؤولها الأول، الوزير مامون بوهدود، فاتحة بذلك حواراً جدّيّاً هدفه الرئيس إيجاد حلّ أو حلول فعّالة لمعالجة مشكل البطالة بشكل جذري، خصوصاً في صفوف حاملي الشهادات والشهادات العليا من الشباب من جهة، وبغية إدماج القطاع غير المهيكل الذي يعاني من سوء التنظيم ويمثّل قطاعاّ حيويّاً تغيب فيه الرؤية التشاركية بين الدولة والفاعلين ضمنه، من خلال تشجيع فئة عريضة، تناهز عُشُر ساكنة البلاد، على تأسيس مقاولاتهم الذاتية بامتيازات قانونية وتسهيلات مسطرية وضريبية تحفيزية من جهة أخرى.
فما أهمية هذا النظام الجديد وماذا يميزه؟؟؟
نظام المقاول الذاتي هو إطار قانوني جديد يمكن المنخرطين فيه من إحداث مقاولة ذاتية وفقا لمقتضيات القانون رقم 114.13 ويهدف هذا النظام إلى نشر وتقوية روح المبادرة المقاولاتية بالإضافة إلى تشجيع القطاع غير المنظم على الانْدماج في النَّسِيج الاقتصادي الوطني. و يقصد بالمقاول الذاتي كل شخص يزاول بصفة فردية نشاطا صناعيا أو تجاريا أو حرفيا أو يقدم خدمات، لا يتجاوز رقم أعماله السنوي المحصل عليه:
- 000 درهم: بالنسبة للأنشطة الصناعية، التجارية والحرفية
- 000 درهم: بالنسبة لأنشطة تقديم خدمات
و يجب على المقاول الذاتي أن يمارس إحدى الأنشطة التجارية أو الصناعية أو الحرفية أو الأنشطة المعتبرة خدمات، والتي يشترط ان تكون غير منظمة بقانون ومن الممكن مزاولتها، كما ان الفئات المستهدفة بنظام المقاول الذاتي تضم شريحة واسعة من المواطنين دون أي حد للسن او المستوى الدراسي باستثناء (موظفي الادارات العمومية واصحاب مقاولات والمزاولون لمهنة منظمة بقانون)، وهذا النظام يستهدف بالأساس:
- حاملي مشاريع إنشاء مقاولة
- الطلبة
- خريجو مؤسسات التكوين المهني
- المعطلون
- الأشخاص الذين يزاولون في القطاع غير المنظم
كما يشترط للحصول على صفة المقاول الذاتي فقط
- أن يكون الشخص مغربي أو أجنبي مقيم بالمغرب حاصل على بطاقة الإقامة
- أن يزاول بصفة فردية نشاطا صناعيا، تجاريا أو حرفيا أو تقديم خدمات غير مدرج ضمن لائحة الأنشطة المستثناة قانونيا
ويستفيد المنخرطين في هذا النظام المقييدين في السجل الوطني للمقاول الذاتي من بطاقة المقاول الذاتي، والتي تعد بمثابة إثبات بمزاولة النشاط في إطار نظام المقاول الذاتي بالنسبة للزبناء والممونين والسلط الإدارية، ولو في حالة عدم التوفر على مقر مهني، فإن القانون 114.13 المتعلق بنظام المقاول الذاتي خول للمقاول إمكانية توطين نشاطه في محل السكنى أو في مقر مشترك بين عدة مقاولات، وبهذا يكون هذا النظام قد أزال اكبر عقبة لخلق المقاولة والمتمثلة في المقر خاصة مع ما نشهده اليوم من ارتفاع السومة الشرائية والكرائية للمحلات التجارية. كما يتميز هذا النظام بتحفيزاته الضريبية، إذ لا يؤدي المقاول الذاتي الضريبة على أساس رقم المعاملات المصرح به إلا بنسبة 1% بالنسبة للأنشطة الصناعية والتجارية والحرفية و2 %بالنسبة للخدمات. إضافة إلى هذا فالنظام الجديد يقدم حلولا تمويلية للمقاولين الذاتيين، من خلال اعتراف بنك المغرب بهم كفاعلين اقتصاديين جدد، وعليه فيمكنهم الاستفادة من الخدمات المالية كغيرهم من المقاولات الأخرى، كما يمكنهم فتح حساب بنكي مهني لدى أحد الأبناك حسب اختيارهم. وبما أن المقاول الذاتي معترف به من طرف إدارة الضرائب بموجب القانون 114.13، فبإمكانه ايضا إصدار فواتير لزبنائه مما سيمكنه من التعامل مع زبناء أوسع في مقدمتهم الإدارات والمؤسسات العمومية من خلال فواتير الطلب (bon de commande) مع العلم أن المحادثات لازالت جارية مع الخزينة العامة للمملكة بخصوص إمكانية المشاركة في الصفقات العمومية.
ويمكن إجمال أهم الامتيازات الأخرى التي يخولها الانخراط في هذا النظام عموما في:
- إمكانية إنشاء مقاولة ذاتية بكل سهولة من خلال اعتماد إجراءات مبسطة سواء في الإنشاء أو الإغلاق.
- الإعفاء من التقييد في السجل التجاري.
- الأداء الإلكتروني للضريبة كما أن المقاول الذاتي لا يخضع للضريبة على القيمة المضافة.
- في حالة عدم توفر المقاول الذاتي على محل مهني لممارسة نشاطه، يمكنه توطين هذا النشاط في محل سكناه كما لا يمكن بأي حال من الأحوال الحجز على محل سكناه الرئيسي.
وكما اشرنا أنفا فالتسجيل في هذا النظام يتم بمسطرة بسيطة ومشجعة وذلك على مرحلتين:
1- التسجيل الأولي في السجل الوطني للمقاول الذاتي انطلاقا من البوابة الالكترونية :rn.ae.gov.ma من خلال ملء استمارة التسجيل ثم طبع وتوقيع الاستمارة
2- التسجيل لدى وكالات بريد المغرب
- تقديم استمارة التسجيل ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية وصورة شمسية.
- يتولى المسؤول عن شباك بريد المغرب منح وصل استلام.
- ويتم التوصل ببطاقة المقاول الذاتي بعد دراسة الطلب وقبوله.
وبموازاة تنويهنا بالطّرح العام الذي أتى به نظام المقاول الذاتي، نطرح مجموعة من التساؤلات بخصوص آليات التنزيل التدبيري للمشروع، إذ لا زال يكتنفه من الضبابية والهلامية الشيء الكثير، ونخصّ بالذّكر هنا، النظام الضريبي المطبّق على « المقاول الذاتي ». إذ يتعيّن على المرشح للاستفادة من امتيازات هذا النظام القانوني أن يتم تسجيل المقاول في « السجل الوطني للمقاول الذاتي » بملأ استمارة التسجيل عبر البوابة الإلكترونية المعدة لهذا الغرض، وطبع الطلب وتوقيعه، ثم « التصريح بالتأسيس » لدى تمثيلية المديرية العامة للضرائب بمكان مزاولته لنشاطه، كما تنص على ذلك المادة 148 – V من مدونة الضرائب، وإرفاق الطلب بصورة شخصية ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية، أو بطاقة الإقامة بالنسبة للأجانب المقيمين بالبلد، وهنا تستوقفني خطوة « التصريح بالتأسيس » لدى مصلحة الضرائب. إذ من حيث كونه إجراءً مسطرياً للتأسيس وإشعار للدولة بصيغة رسمية بنية المقاول الذاتي في أداء واجباته الضريبية وفق ما تفرضه النصوص القانونية، يعتبر سلوكاً مواطِناً بامتياز، إلاّ أن ما يشوبه شيء من الغموض هو كيفية توزيع مبلغ الضريبة المذكورة على عشرات المسميّات الضريبية التي حدّدتها ذات المدوّنة، أي هل الضريبة المحددة في 1 و2 % حسب نشاط المقاولة، ستعتبرها المصلحة المعنية ضريبة مهنية أم ضريبة على الدخل أم ضريبة على الخدمات الاجتماعية والجماعية؛ أم مسمى من عشرات مسميات الضرائب الأخرى، المطبقة على الأشخاص والمؤسسات ؟!. ومن جهة أخرى فنظام المقاول الذاتي لم يتضمن أي تمويل تحفيزي مادي مباشر يساعد لخلق المقاولات خاصة من طرف الفئات الفقيرة والمهمشة والمعطلين والذين تم تركهم في مواجهة الأبناك وشروطها التعجيزية لمنح القروض، كما انه لم يشر إلى أية آليات أو ضمانات لمساندة ومساعدة المقاول الذاتي في حال فشل وإفلاس مقاولته. هذا ويبقى التخوف قائما من فشل هذا النظام في حال تنزيله بطريقة متسرعة وعشوائية على أرص الواقع قد تهوي به إلى مصاف سلسلة برامج سابقة في هذا النطاق (مقاولتي، تأهيل، ادماج…) لم يتسنى لها النجاح.
بقلم: محمد ضباش
ماستر مهن وتطبيقات الإعلام
الدفعة الرابعة